يَحملُ تعريف العِلم (بكسر العين) في اللّغة العربية إختلافًا كبيرًا بين معان عديدة ومصادر مختلفة:
العِلم كمرادف للمعرفة، أي إدراك الشيء بحقيقته، ونقيضه الجهل. فيقال "فلان على عِلْمٍ بالأمر أي يَعرفُه". وفي قول الله تعالى {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} (النجم 35). وتنسب المعرفة عادةً، في بعض السياقات، للإدراك الجزئي أو البسيط لا للمفاهيم الكّلية والمركبة فيقال "عَرفتُ الله" ولا يقال "عَلمتُ الله".[6].
العِلم كمرادف أو كمرتبة لليقين ونقيض للشّك والظن، ويظهر هذا المعنى في القرآن الكريم في العديد من الآيات مثل قول القرآن {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} (البقرة 144) و{كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمْ} (التكاثر 6،5) ويقال "اليقين هو بلوغ الإيمان في القلب لمرتبة العِلم والمعرفة التامة وتُنافي الشّك والريب عنها" [7].
العِلم ويُراد به في الحضارة الإسلامية العِلم الشرعي إقتصارًا دون العِلم الدُنيوي [8][9]. ويطلق لفظ العَالِم على الفقيه والمجتهد في الشريعة وأصول العقيدة الإسلامية، ويقول رسول الله {إن العُلَماء ورَثةُ الأنبياَء، إن الأنبياَء لم يورثُوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثُوا العِلمَ فمَن أخذه أخذ بحظٍ وافرٍ} (أخرجه أبو داود). وقد جاء فضل العِلم والثّناء على أهله في الكثير من سور القرآن الكريم، مثل قول القرآن {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} (المجادلة 11) و{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (الزمر 11). وكذلك في الأحديث النبوية التي تحض على طلب العلم والعمل به وتبليغه، ومنها عن أبي أمامة حين قال: سمعت رسول الله يقول{فَضلُ العَالِم على العَابِد كفضلِي على أدناكُم} ثم قال {إن اللَّه وملائكتهُ وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت لَيصلُون على مُعَلِمي النّاس الخير} (أخرجه أبو داود) [10]. وينقسم العِلم الشرعي على قسمين: اﻷول فرض عين، أي ما يلزم المسلم معرفته عن أمور دينه مثل أحكام الحلال والحرام، والثاني فرض كفاية، بحيث يكون واجبا على جمع من الأمة ويحصل بهم القيام بهذا الواجب [11].
تبرز للعِلم معان كثيرة في القرآن الكريم، ويُراد به كل نظام معرفي، شرعيًا كان أو دنيويًا [12]، ينتج عن التأمل والتفكر والتعقل في الطبيعة وقوانينها ويدعو من خلال ذلك إلى الإيمان باللّه. ويتجلى ذلك في العَديد من الآيات ومنها قَولُه تعالى {أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} (فاطر) و{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (العنكبوت 20)...
العِلم، بتعريفه الحديث، يطلق في الآن نفسه على الطريقة التفكير العلمية (مشاهدة، فرضية، تجربة، صياغة) والمنظومة الفكرية التي تنتج عنها وتشتمل على مجموعة الفرضيات والنظريات والقوانين والاكتشافات المتسقة والمتناسقة التي تصف الطبيعة وتسعى لبلوغ حقيقة الأشياء [13]. والكلمة المقابلة للعِلم، بهذا التعريف، في الإنجليزية هي "ساينس" Science (مشتقة من كلمة scientia اللاتينية وتعني المَعرِفة Knowledge) وتحمل أيضًا نفس المعنى. يقصي هذا التعريف كل ظاهرة غير قابلة للمشاهدة وكل فرضية لا يمكن اختيارها بالتجربة لإثباتها أو تفنيدها. ويعتبر بعضهم أن الرياضيات، رغم أهميتها للعِلم، غير مشمولة في هذا التعريف لأنها لا تتطلب المشاهدة، وتتخذ بدهيات ومسلمات، وتتعامل مع كائنات المجردة غير قابلة للتثبت عن طريق التجربة [14]. وكما تستعمل الرياضيات كوسيلة أو أدات لدراسة قوانين الكون و
أنظر كتاب أحمد مستجير : "مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي" (1987) [2006] دار العين للنشر.</ref> والتنجيم. وقد شهدت الرياضيات تحولات هامة بعد تركز نظرية الشواش والهندسة الكسيرية (خاصة مع أعمال إدوارد لورينتز في سبعينات القرن الماضي)، وأدى ذلك لظهور نسق فكري جديد يسعى إلى تطبيق المنهج التجريبي في الرياضيات ويدعى الرياضيات التجريبية [15].
ملاحظة: سيتحدث ما تبقى من المقال عن العِلم بتعريفه الحديث