سلس البول عند النساء
أنواع السلس البولي
يقسم السلس البولي عند النساء إلى عدة فئات منها:
1- السلس نتيجة الضغط الباطني STRESS INCONTINENCE الذي يعتبر الاكثر شيوعاً بنسبة حوالي 60% من كل تلك الحالات والذي يتميز بتسرب البول غير الارادي عندما يرتفع الضغط في البطن كاثناء الضحك والعطس والرياضة والحمل الثقيل والامساك والنهوض المفاجىء والسعال وحتى المجامعة، من اسبابه الرئيسية الولادة الطويلة مع ضغط رأس الجنين على عضلات الحوض واعصابه لبضعة ساعات مما يؤدي إلى اتلافها مسبباً ارتخاء تلك العضلات والاربطة التي ترفع الاحليل مثل الارجوحة الشبكية نحو الحوض فينزلق الاحليل والمثانة إلى الاسفل ويؤدي ذلك إلى هبوطها وزيادة تحركها وتحدّ من انغلاقها الطبيعي عند زيادة الضغط في البطن. ولكن هنالك اسباب أخرى لتلك الحالة تشمل التشوهات النسيجية الخلقية والعمليات الجراحية الماضية في الحوض، والسعال المتزامن والضغط الشديد عند التغوط أي التبرز والسمنة وتقدم العمر ونقص الهرمون الانثوي.
الجدير بالذكر ان هنالك حالات سلس الضغط لا تقترن بزيادة تحرك الاحليل بل تحصل نتيجة تشوه في آلية الصمام الاحليلي الداخلي وقصوره في منع السلس وتحصل عادة بسبب تلف ذلك الصمام اثناء الولادة والجراحات السابقة على الاحليل أو في الحوض والمداواة بالاشعة والاعتلال العصبي ونقص تركيز الهرمون الانثوي والتقدم في العمر. وفي الكثير من حالات السلس تتواجد عوامل زيادة حركية الاحليل وقصور الصمام الاحليلي الداخلي معاً. وهنالك ايضاً اسباب أخرى قد تساعد على بروز تلك الحالة منها بعض العقاقير والتدخين والامراض الرئوية والالتهابات البولية والأمراض العصبية والعضلية والامساك وغيرها التي تؤهل المرأة إلى الاصابة به.
2- السلس نتيجة زيادة نشاط المثانة أو توترها العصبي
قد يحصل السلس البولي بنسبة حوالي 13% نتيجة توتر عصبي أو زيادة نشاط المثانة مع نقص في سعتها وتواجد تقلصات غير إرادية فيها بسبب أمراض عصبية أو داء السكري أو التهابات بولية ولاسباب لا تزال مجهولة.. ففي تلك الحالات تشعر المرأة فجأة بالرغبة في التبول ولكنها قد لا تستطيع التحكم به فيتسرب البول منها قبل وصولها إلى الحمام. وقد تتواجد هذه الحالة مع الفئة الاولى أي سلس الضغط لدى الكثير من النساء ولكنها تزول بعد المعالجة عند اغلبهن ولكن قد تحصل بعد العمليات الجراحية تلقائياً عند حوالي 15% منهن.
3- السلس المفيض OVERFLOW INCONTINENCE
في القليل من حالات السلس يكون العامل الرئيسي انسدادا في عنق المثانة أو الاحليل أو أمراضا عصبية تشّل نشاط عضلات المثانة أو وجود آفات أو اورام في الجهاز التناسلي أو رثج في الاحليل أو أمراض نفسية وغيرها التي تحدّ من تفريغ المثانة الكامل للبول مع ابقاء كمية كبيرة منه بعد الانتهاء من التبويل مع طفح غير ارادي للبول.
4- مزيج من تلك الفئات أو وجود ناسور بولي
في الكثير من الحالات تمتزج تلك الفئات معاً مسببة السلس فتحتاج إلى تشخيص دقيق للحصول على أفضل النتائج، ونادراً ما يحصل ناسور ما بين المثانة أو الحالب والمهبل تكون اسبابها خلقية أو مكتسبة.
(التشخيص)
كيف يتم تشخيص السلس البولي؟
- ان التشخيص الدقيق للسلس البولي على انواعه ومسبباته في غاية الأهمية لانه يساعد على اختيار العلاج المناسب والخاص بكل حالة باستعمال اسهل الوسائل العلاجية وأضمنها في النجاح. ومن أهم وسائل التشخيص استجواب المريضة حول سلسها ومدته وشدته ومسبباته وتوقيت حصوله، وتلازمه مع الضغط في البطن أو حصوله تلقائياً بدون ضغط أو اقترانه بالالحاح الشديد على التبول مع عدم التمكن للوصول إلى الحمام بسرعة قبل تسرب البول وعن عدد الرفائد المستعملة يومياً ودرجة تبللها بالبول، ويشمل الاستجواب الولادات وعددها ومدتها والعمليات الجراحية والامراض البولية والعصبية والتناسلية ونوع العقاقير التي تستعملها والاصابة بداء السكري أو أمراض اخرى قد يكون لها علاقة بالسلس أو الافراط في شرب السوائل خصوصاً التي تدّر البول كالقهوة والشاي وبعض المرطبات وتأثير حالتها على جودة حياتها، ويطلب من المريضة في تدوين اليوميات التي تشمل كمية السوائل التي تشربها وعدد التبول وكميته ليلا ونهاراً وحدوث السلس مع توقيته وكميته التي يمكن تقديرها بقياس وزن الرفائد المستعملة يومياً وظروف حصوله وذلك لمدة 48أو 72ساعة، ومن ثم يقوم الاخصائي بفحص سريري دقيق يرتكز على الجهاز التناسلي والبولي والعصبي فيحاول كشف ورم في الحوض أو تدلي الرحم أو وجود آفات اخرى داخل المهبل ودرجة ضمور أنسجته ويقيس قوة الصمام الاحليلي والشرجي ويدقق حول وجود أي ناسور بولي أو تشوهات أخرى في الاحليل، ويتابع فحصه على المريضة المستلقية على ظهرها أو الواقفة فيطلب منها الضغط الباطني الشديد أو السعال القوي فيدون بروز أي سلس وكميته ويعيد الفحص المهبلي بعد ان يضغط بابهامه على الاحليل عبر المهبل ويلاحظ استمرار أو توقف السلس عندما تزيد ضغطها الباطني ودرجة تحرك الاحليل أو تليفه وتدّلي الرحم في المهبل، وتوضع ماسحة قطنية في الاحليل المخدّر ويطلب من المريضة في الضغط الباطني الشديد وتقاس درجة زاويته التي إذا ما زادت على 30درجة توحي بوجود تحرك مفرط في الاحليل. ومن التحاليل المخبرية الاساسية فحص البول المجهري ومزرعته وقياس الثمالي البولي في المثانة ونادراً تصوير الجهاز البولي لتشخيص ناسور وأحياناً تخطيط المثانة والاحليل والصمام الكترونياً مع تنظير عند الاشتباه بوجود مثانة عصبية أو تعطيل في الصمام أو الاحليل أو في حال فشل العلاجات السابقة أو إذا تعذر الوصول إلى التشخيص الدقيق قبل إجراء عملية جراحية.
العلاج حسب الاسباب
قبل المباشرة بالعلاج الطبي أو الجراحي يجب على الطبيب المعالج اقصاء بعض الحالات الطبية التي قد تسبب السلس والتي لا تحتاج إلا وسائل بسيطة لمعالجتها فحسب ومنها التشوش الفكري والالتهابات البولية وضمور المهبل بسبب نقص الهرمون الانثوي وتأثير بعض العقاقير والامراض النفسية وإفراط التبول وتقييد الحركة والبراز المرصوص، واما بقية الحالات فتتم معالجتها حسب اسبابها وشدة أعراضها ودرجة ازعاجها وتأثيرها السلبي على جودة حياة المريضة ورغبتها في المعالجة وتقلبها نتائجها المرتقبة واحتمال فشلها وخطرها ومضاعفاتها.وينقسم العلاج إلى الجراحي وغير الجراحي كما يلي:
1- العلاج غير الجراحي:
إن تغيير بعض النشاطات اليومية والعادات الروتينية قد يساعد في بعض تلك الحالات، وذلك يشمل التقليل من شرب السوائل وخصوصاً المدرة للبول كالشاي والقهوة وبعض المرطبات ومحاولة تفريغ المثانة بطريقة منتظمة في كل ساعتين تقريباً والقيام بتمارين لتقوية الصمام الاحليلي وذلك بتقلصه وارخائه المتتابع لمدة 10ثوانٍ عشر مرات في الصباح وبعد الظهر والمساء والمرأة مستلقية على ظهرها وجالسة وواقفة وذلك لمدة 3أشهر على الأقل.
والجدير بالذكر انه من المهم ان تتعرف المرأة بثقة على صمامها قبل البدء بالتمارين ويساعدها طبيبها على ذلك لأنها اذا ما قلصت عضلات أخرى فلن تستفيد من تلك المعالجة لا بل قد تسوء حالتها وعليها ايضا التحلي بالصبر والمثابرة لأن نجاح هذه الوسيلة قد يتطلب عدة شهور قبل حدوثه وقد يصل إلى نسبة 33% من الشفاء بعون الله عز وجل وحوالي 35% من تحسن الحالة.
وبعد ان تتم تقوية الصمام تستطيع المرأة تقلصه قبل القيام بأية حركة أو نشاط قد يسبب السلس. وتستطيع ايضا استعماله في حال وجود تقلصات غير إرادية ومفرطة للمثانة فتحد منها بواسطة تقلصها المتتابع للصمام. ومن الوسائل الأخرى إعادة تدريب المثانة على التبول التي تقوم على زيادة تدريجية في المدة ما بين التبويل المتتابع يوميا أو اسبوعيا للوصول إلى فترة ما بين 3 أو 4ساعات من التحكم بالبول أو استعمال التلقيم الراجع الايجابي اثناء تمرين الصمام في البيت أو في المستشفى بمشاهدة تخطيط الصمام الالكتروني على شاشة الفيديو ومحاولة التحكم به. ويمكن ايضا استعمال التنبيه الكهربائي أو المغنطيسي لتقوية عضلات الصمام أو الفرازج المهبلية الخاصة أو اجهزة اقفال الاحليل خارجيا أو داخليا. واما بالنسبة إلى العلاج الدوائي فقد استعملت في الماضي بعض العقاقير واللصقات الهرمونية الانثوية بنجاح متفاوت وغير مضمون إلا في بعض الحالات وقد ظهر حديثا عقار جديد لا يزال تحت الاختبار وهو دولوكستين DULOXETINE الذي أعطى نتائج أولية جيدة.
ومع تدني في نسبة السلس إلى أكثر من 50% وتمديد المدة بين التبويل المتتابع إلى أكثر من 20% وتحسن في جودة الحياة في حوالي 62% من الحالات وشفاء حالات السلس البولي تحت الضغط بنسبة 10% تقريبا بعون الله عز وجل وذلك في غضون 4اسابيع من استعماله.. ومن اعراضه الجانبية الغثيان بنسبة حوالي 23% مع التوقف من استعماله لهذا السبب لدى حوالي 6% من المريضات. اننا نترقب بشغف الموافقة على هذا العقار المتميز لنتمكن من استعماله في العديد من حالات السلس البولي تحت الضغط. وفي حال وجود توتر في أعصاب المثانة أو ما يسمى المثانة يتم علاجها بالعقاقير والتمارين على الصمام أو بحقن مادة "بوتوكس" في عضلاتها مع نتائج جيدة.
2- العلاج الجراحي
إذا فشل العلاج غير الجراحي أو توقفت عن استعماله المريضة نفسها لأسباب شخصية أو رفضه فيمكن عندئذ القيام بعملية جراحية حسب فئة السلس وأسبابه وذلك بعد شرح كل الوسائل العلاجية للمريضة ونسبة نجاحها ومخاطرها ومضاعفاتها وكلفتها. فإذا ما كان سبب السلس تعطيل في الصمام الاحليلي الداخلي فيمكن حقن بعض المواد المضخمة مثل الكاجين حول الاحليل بالإبرة تحت بنج موضعي لمساعدة التئامه واغلاقه وبنجاح قد يصل إلى حوالي 40% من هذه الحالات على المدى الطويل وأحيانا بعد محاولات. وقد تستعمل أيضا الجراحة المفتوحة مع رفع المثانة وعنقها والاحليل معا نحو الحوض بتخييط الانسجة حول الاحليل وعنق المثانة إلى رباط "كوبر" في الحوض الواقع في اسفل عظم العانة مع نجاح في حدود 90% على المدى الطويل. وقد استعمل حديثا على الألوف من المرضى عالميا وسيلة جراحية مبتكرة وناجحة مبنية على غرز شريط مصنوع من مادة "البوليبروبيلين" تحت وسط الاحليل وتمريره إلى فوق العانة تحت الجلد بدون أي تخييط أو تثبيت وذلك تحت بنج موضعي أو عام وأحيانا بدون الحاجة إلى الاستشفاء لمعالجة كل حالات السلس البولي تحت الضغط إذا ما كان سببها تلف وتعطيل في الصمام الاحليلي الداخلي أو فرط تحرك الاحليل إلى الاسفل وذلك بنجاح في حوالي 85% من الحالات على مدى 5سنوات ويعمل هذا الشريط بأغلاق الاحليل عند زيادة الضغط في البطن ومن مضاعفات تلك الجراحة التي تحصل بنسبة 10% تقريبا اختراق المثانة أو الامعاء أو أوعية الحوض بالإبرة الخاصة التي تستعمل لسحب الشريط أثناء العملية مع عواقب قد تكون وخيمة ونادرا مميتة في القليل من الحالات ما بين مئات الألوف التي استعملت فيها هذه العملية الجراحية، بدون أية مضاعفات ومع الاحتباس البولي بعد العملية وتآكل نسيج الاحليل والمهبل وعنق المثانة وحدوث الحاح وتأثر تلقائي للمثانة ويجب التشديد انه يجب الامتناع عن اجراء تلك العمليات إذا ما ارادت المرأة ان تحمل من جديد لأنها ستفشل حتما بعد الولادة. وبالرغم من ذلك فإن تلك الوسيلة هي من ابسط وافضل الوسائل الجراحية إذا ما أجريت على يد اخصائي لديه الخبرة الواسعة والمهارة العالية في اجراء تلك العمليات. وإذا ما تبين أثناء العملية وجود قيلة مثانية مستقيمة أو فتق مهبلي خلفي فيجب تصحيحهما معا في وقت واحد في أغلب الحالات.
وأحيانا يحبذ استعمال انسجة ذاتية كلفافة العضل المستقيم كوشاحة مغروزة تحت عنق المثانة كوسيلة أخرى في تلك الحالات مع نجاح يفوق 85% مع مضاعفات قليلة وغير خطيرة.
الخلاصة
السلس البولي الذي يسببه ارتفاع الضغط داخل البطن هو الأكثر شيوعا لدى النساء عالميا. تشخيصه يتم في العيادة ويرتكز على الاستنطاق والفحص السريري الكامل واجراء بعض التحاليل المخبرية وأحيانا تخطيط المثانة والاحليل والصمام الالكتروني. فيزيولوجيته المرضية متعددة الأسباب والظواهر وعلاجه يتم حسب مضايقته وازعاجه وتأثيره على جودة الحياة بأبسط الوسائل وأقلها خطراً ومضاعفات كالتمارين للصمام وتدريب المثانة واستعمال عقار "دوكولستيبن" عندما يتوفر في الأسواق. وفي حال فشل العلاج غير الجراحي أو رفضه من قبل المريضة أو توقفها عن استعماله وإذا ما اختارت العلاج الجراحي فيمكن حقن المواد المضخمة حول الإحليل أو اجراء عملية مفتوحة خلف العانة لرفع المثانة والإحليل أو بغرز شريط تحت الاحليل موصول إلى العانة تحت الجلد مع نجاح كبير.
ان السلس البولي عند النساء حالة شائعة ومنتشرة عالميا تؤثر على جودة حياتهن وتسبب لهن الإحراج والاكتئاب والمشاكل العائلية والاجتماعية والزوجية وتمنعهن من الاستمتاع بحياة ممتعة وقد تؤدي إلى اصابتهن بالكسور في العظام نتيجة الانزلاق. ان هذه الحالة ليست طبيعية ولا يمكن اعتبارها نتيجة التقدم بالعمر وأمل شفائها، بمعونة الله سبحانه وتعالى بالوسائل الطبية أو الجراحية مرتفع جدا. فليس هنالك أي مبرر لأية امرأة تتخبط في براثن العذاب والشقاء نتيجة سلسلها.وإذا ما أردات الشفاء فما عليها،إلا أن تستشير الاخصائي في تلك الحالات لمناقشة سبل العلاج والاستفادة منه واستعادة متعتها وحيويتها وبهجتها وجودة حياتها واحترامها الذاتي إن شاء الله.